"كيميائي" غوطة دمشق... شهادات الناجين في ذكرى المجزرة

الكاتب جلال بكور


لم يكن فجر الواحد والعشرين من أغسطس/آب 2013، فجر يوم عادي في سورية، ففيه وقعت إحدى أفظع مجازر العصر الحديث. قتلت قوات النظام قرابة 1500 شخص خلال ساعتين بقصف كيميائي وهم نيام في غوطة ريف دمشق.

 

 

مرت أربع سنوات، لكن 

ذكرى المجزرة

، والأهوال التي رافقتها، ظلت محفورة في مخيلة من عايشوها، وبينهم الناشط والشاعر السوري، محمود الطويل، الذي نجا من 

المجزرة

، وتحدث عن الأهوال التي عاشها في مدينة زملكا، والتي فقدت عشرات الأطفال والنساء في المجزرة.

 

يقول الطويل لـ"العربي الجديد": "كنت في نقطة الطير الطبية في زملكا، وكان المدنيون يركضون ويصرخون. لا يفارقني مشهد أمّ حائرة فيمن تحمله من أولادها الخمسة إلى النقطة الطبية. كان الأطفال مختنقين وتسيل الرغوة من أفواههم. القصف طاول كل شيء، حتى النقاط الطبية".

 

وأضاف أن "ما يُقارب 10 آلاف شخص أصيبوا في تلك الهجمة البربرية، وفي شوارع زملكا انتشرت جثث لنساء هربن من منازلهن بثياب النوم حاملات أطفالهن، كما قضى رجال خلف مقود سياراتهم خلال محاولات إنقاذ المصابين".

وتابع "يومها صدر حكم بالإعدام الجماعي، بدأ الغاز ينتشر في كل البلدات، زملكا وعربين وجوبر، فلجأ كل المدنيين إلى الطوابق العلوية، وعندها بدأت قذائف النظام تنهال على الطوابق العلوية، وتلتها الرشاشات الثقيلة وراجمات الصواريخ، لم يكن في زملكا مثلا، غير نقطتين طبيتين، إحداهما تعرضت للقصف أيضاً".

 

وقال الطويل: "كنت أحاول إسعاف مصابة في أحد المنازل، فظهر أمامي طفل سقط من يدي أمّه التي كانت تحاول الوصول إليه، كانت متشنجة وهو ينتفض، آخر ما شاهدته كان تلك الرغوة التي بدأت بالفيضان من فمه، حاولتُ الصراخ فلم أستطع. شعرتُ أنني أصرخُ في جوفي".

 

شهد الناشط داني قباني، جانبا من المجزرة في مدينة المعضمية بالغوطة الغربيّة، والتي طاولتها القذائف والصواريخ الحاملة لغاز السارين، هناك قتل قرابة 65 شخصا وأصيب العشرات، يقول قباني: "في ذلك اليوم كنت مناوبا في المكتب الإعلامي، وقع قصف بعدة قذائف وتواصلت مع المشفى الميداني ليخبرني صديقي هناك أن إصابات كثيرة وصلت وأن القصف بمواد كيميائية".

يتابع "لم أستوعب ذلك للوهلة الأولى. ركضت إلى المستشفى، ورأيت أرضه يعج بالمصابين، وكان المسعفون والأطباء يضغطون على صدورهم ويضعون الماء على أجسادهم، نظرت يميناً لأجد قريبتي بدون حراك، وبجانبها خمس نساء أخريات، وبدأت أبكي".

 

ويضيف "حاولنا المساعدة، لكن الواقع كان فوق طاقة الإنسان العادي، فكيف بنا كأناس محاصرين. كانت الإصابات بالاختناق تتوافد، وتم وضع كثير من المصابين في الشوارع المحيطة لأن المشفى لم يعد يستوعب".

يبكي داني، كلما تذكر ذلك اليوم، ليس فقط بسبب الضحايا الذين سقطوا من أطفال ونساء، وليس للأمراض التي حلت بالناجين، وليس لأنهم طردوا من منازلهم، ولكن لأن الجريمة لاتزال مستمرة.

 

بعد أربع سنوات كاملة على ارتكاب المجزرة، لا يزال من ارتكبها دون عقاب، وهو ما أدّى إلى تكرار سيناريو مشابه في مدينة خان شيخون بريف إدلب، في الرابع من أبريل/نيسان الماضي، حيث شن النظام هجوما بغاز السارين، وأدى الهجوم إلى وقوع نحو 100 قتيل، جلهم من الأطفال، ونحو 400 مصاب.